لقاحات كورونا الرخيصة ملاذ لبنان الوحيد … ولكن!
يمكن أن يغدو اللقاح الذي يوفر حماية بنسبة 70% ضد مرض “كوفيد-19″، أداة ثمينة في مواجهة جائحة فيروس كورونا في لبنان، لا سيما إذا كان هذا اللقاح رخيص الثمن، ولا يلزم تخزينه في درجات حرارة شديدة البرودة. فماذا لو وُجد لقاح آخر، نسبة فعاليته 95%، لكنه يكبِّد المزيد من النفقات، فيما يخص شراءه وتخزينه؟ هل يجب علينا إستيراد اللقاح الرخيص والأقل فعاليه إلى لبنان؟ أم علينا البحث عن سبل لتعزيز كفاءة نظام التبريد المستخدَم في تخزين اللقاح الآخر؟”.
يواجه الباحثون وقادة الحكومات في شتى أنحاء العالم مثل هذه الأسئلة لدى تقييم الخيارات الآخذة في الظهور من لقاحات فيروس كورونا، ويحاولون التوصُّل إلى قرار بشأن أي اللقاحات سيكون أكثر فائدة في وضع حد لجائحة، أودت بالفعل بحياة ما يقرب من 2.5 مليون شخص. يتحدد هذا قرار بمدى ندرة المتاح من هذه اللقاحات، وتُعرقل اتخاذه قلة البيانات بشأنها.
ويتخوف الأطباء في لبنان من المخاطر التي قد تقع إذا أخَّرت الحكومة التطعيمات لشهور، لحين أنْ يسنح إرساء قواعد البِنْية التحتية اللازمة لإنشاء سلاسل توريد نظم تبريد، وتوفر الأموال الكافية لاتمام هذه الاجراءات.
في ضوء ندرة إمدادات اللقاحات، وبالنظر إلى الطلب على سرعة توفيرها، يجب أن يوضع في الاعتبار عند بذل أي جهود لتصنيف هذه اللقاحات من ناحية الجودة عدم الاكتفاء بالأخذ بالبيانات الواردة عن فعاليتها، وأن يوضع في الحسبان أيضًا إمداداتها، وتكاليفها، ولوجستيات توزيعها، ومدة مفعولها الوقائي، وقدرتها على التصدي للسلالات الفيروسية الجديدة. وحتى مع كل ذلك، قد يصعب على الكثيرين تجاهُل نتائج التجارب الإكلينيكية التي تشير إلى وجود فروق في الفعالية بين تلك اللقاحات. فحتى الآن، أُعطيَت أكثر من 200 مليون جرعة من لقاحات فيروس كورونا الجديد، وتتكشف البيانات حول نتائج التجارب الإكلينيكية على هذه اللقاحات في عدة بلدان، حيث تشير أهم النتائج التي وردت من هذه الدراسات إلى وجود تفاوُت في نسبة الحماية من الفيروس التي تُؤَمِّنها هذه اللقاحات. فتتباين هذه النسبة، بدءًا من فعالية تبلغ 95% للقاح أنتجته شركته “فايزر” Pfizer بمدينة نيويورك بالتعاوُن مع شركة “بيونتِك” BioNTech في مدينة ماينتس الألمانية، وصولًا إلى فعالية تبلغ حوالي 70%، حسب النتائج الأولية التي أشارت إليها التجارب على لقاح طورته شركة “أسترازينيكا” AstraZeneca في كامبريدج بالتعاون مع جامعة أكسفورد، وكلتاهما في المملكة المتحدة. مع الإشارة الى ان الدنمارك، قررت اليوم تعليق استخدام هذا اللقاح “أسترازينيكا”، احترازيًا، وحتى إشعار آخر، بعد إصابة أشخاص تم تطعيمهم به بجلطات دموية.
الاختلافات الديموغرافية
تختلف الخصائص الديموغرافية للمشاركين في كل تجربة عن الأخرى. فعلى سبيل المثال، في حال اللقاح الذي أُنتج بتعاوُن بين جامعة أكسفورد، وشركة أسترازينيكا، جمع مطورو اللقاح القليل من البيانات عن فعالية اللقاح لمَن تَرْبو أعمارهم على 65 عامًا. ومن ثم، لم تصرح ألمانيا باستخدامه إلا في حال مَن هم دون سن 65 عامًا، على الرغم من أن وكالة الأدوية الأوروبية (EMA) توصي به لجميع البالغين، دون استثناء.
درست هذه اللقاحات في أوقات مختلفة، وفي العديد من البلدان لكن التجارب جميعها لا تقدم إلا لمحة عن الحماية ضد السلالات الفيروسية السائدة في الوقت والمكان اللذين أُجريت فيهما كل تجربة. وترتبط إحصاءات هذه التجارب بنقطة زمنية معينة. ومدلولها فيما يخص القدرة على الحماية من الفيروس على مدى عام أو عامين سيكون مختلفًا.
وتُعَد هذه النقطة شديدة الأهمية في ضوء المعركة العالمية مع السلالات الناشئة من فيروس كورونا الجديد، التي يبدو أن بعضها يفلت من بعض جوانب الاستجابات المناعية التي تحفزِّها اللقاحات. وكان الباحثون قد اكتشفوا للمرة الأولى إحدى هذه السلالات الجديدة -التي يُطلَق عليها اسم “501Y.V2” أو “B.1.351”- في كانون الأول الماضي بجنوب أفريقيا، التي مُنِيَت الآن بغالبية الإصابات الجديدة بفيروس كورونا الجديد.
ومنذ ذلك الحين، رُصد ظهور هذه السلالة الجديدة في بلدان حول العالم، ولا تزال قدرتها على خفض فعالية اللقاحات يكتنفها الغموض. ففي حين تشير الدراسات المعملية وبيانات التجارب الإكلينيكية إلى أن معظم اللقاحات سيظل يوفر قدرًا ملحوظًا من الحماية من السلالة، أخفق لقاح شركة “أسترازينيكا” في ذلك إخفاقًا بالغًا، حيث إنه في دراسة أُجريت لحوالي 2000 شخص في جنوب أفريقيا، لم يوفر اللقاح حماية ضد الإصابات الطفيفة أو معتدلة الشدة من مرض “كوفيد-19” التي نجمت عن هذه السلالة.
وأمام تلك النتائج، أعلنت حكومة جنوب أفريقيا في السابع من شباط الماضي أنها ستُعَلِّق تداوُل لقاح “آسترازينيكا”، على الرغم من أن الجرعة الواحدة منه أقل سعرًا بكثير، وأسهل تخزينًا من مثيلتها من لقاح شركة “فايزر”. وكانت إشركة “أسترازينيكا”، وجامعة أكسفورد قد أذنتا لشركات تصنيع الأدوية الجنيسة -مثل معهد الأمصال الهندي في مدينة بونة- بطرح كميات كبيرة من جرعات لقاحهما في أسرع وقت ممكن، كما عُدَّ هذا اللقاح أفضل أمل للدول الفقيرة.
وتنعقد آمال حول إمكانية إتاحة لقاحات أكثر ملاءمة من أجل سد بعض العجز. فعلى سبيل المثال، طورت شركة “جونسون آند جونسون” Johnson & Johnson في مدينة نيو برونزويك بولاية نيو جيرسي الأمريكية لقاحًا أحادي الجرعة، من شأنه أن يكون يسير الطرح والتداوُل إلى حد كبير. وفي ذلك الصدد، يصرح جيروم كيم -المدير العام للمعهد الدولي للقاحات في سول- قائلًا إن هذا اللقاح قد صُرِّح مؤخرًا باستخدامه في الولايات المتحدة، لكنْ لم يتضح بعد مدى السرعة أو السلاسة اللتين ستستطيع بهما الشركة المصنعة له البدء في إنتاج ملايين الجرعات منه.
ويقول كيم إنّ العالَم ما زال في انتظار بيانات حاسمة بشأن اللقاحات المتداوَلة حاليًّا، فمفعول الأدوية على أرض الواقع ليس دائمًا ناجعًا بقدر ما يكون في ظل القيود الصارمة التي تفرضها التجارب الإكلينيكية. وتشير البيانات الأولية من حملة تطعيمات ضخمة جارية في إسرائيل إلى أن نتائج لقاح شركة “فايزر” لا تزال مُبَشِّرة، لكنّ جمْع بيانات مماثِلة عن اللقاحات الأخرى سوف يستغرق شهورًا.
يضاف إلى ذلك أن الباحثين سيبدأون في اختبار فعالية أنظمة جرعات مختلفة، وجداول زمنية متباينة لتلقِّي اللقاحات، وتوليفات شتى منها. فهُم ما زالوا يجهلون مدة استمرار المناعة التي تولِّدها اللقاحات، أو مدى نجاح اللقاحات المتنوعة في الحدّ من انتشار فيروس كورونا، وكلها عوامل من شأنها أنْ تحدِّد أيًّا مِن هذه اللقاحات هو “الأفضل”.
إن طرح اللقاحات بأسرع وقت ممكن ليس كل ما في الأمر، إذ تتعلق المسألة كذلك بحاجتنا إلى التأكد من تطبيق دراسات رصدية عند طرح هذه اللقاحات، لمعرفة مدى كفاءتها في السياقات المختلفة.
في نهاية المطاف، قد يمكننا أن نخطط بمزيد من الدقة اللقاحات المناسِبة لكل ظرف، لكنْ في الوقت الحالي نحن نفتقر إلى البيانات اللازمة لذلك. ويراقب اصحاب الاختصاص الوضع في أثناء تغيُّره لحظة بلحظة. وفي الشهر القادم، قد تختلف نظرتنا إليه تمامًا، لكن طبعاً فإن هذا النوع من المراقبة لا تمارسه السلطات الصحية اللبنانية، التي لا تزال تتخبط في آلية تطبيق المرحلة الأولى من التطعيم بلقاح شركة “فايزر” وسط شكاوى حول بطئ العملية وعدم إلتزام المعايير التي تم وضعها من قبل اللجان المختصة والجهات الدولية المانحة ومنظمة الصحة العالمية.